
كتب جو خوري
في ذكرى ١٣ تشرين ١٩٩٠
“نار السلطة دائمة الإشتعال، ويمكن أن تُحرِق بسهولة أولئك الذين يقتربون منها كثيراً”.
كيف بالحري إذا الذي اقترب من السلطة كان من خارج منظومة الميليشيات ودولة المافيا؟
بهذه العبارة يمكننا أن نختذل مسيرة التيار الوطني الحرّ منذ دخوله إلى السلطة حتى خروجه منها في يومنا هذا.
بالعودة إلى الماضي القريب، نستذكر خطاب بشير الجميّل “القاسي” إلى قيادة وعناصر القوات اللبنانية بُعيد انتخابه رئيساً للجمهورية وحلّه للتنظيم العسكري القواتي.
يقول بشير حرفياً وأقتطع بعض الجمل لأن النص طويل ويمكن سماعه بصوت بشير كاملاً على صفحات السوشل ميديا:
“كلامي لإلكم اليوم بكل وضوح هو التالي:
منيــات وغلاظات وتقل دم عالأرض وفصاحات (ممنوع)… ويللي عبالو يروح عالمدرسة أو على معملو أو على بيتو، (بـ يروح) بلا فرد، وعلى السينما بلا سلاح. بدكن ترجعوا تكونوا بني آدمين… بقلب مناطقنا كل مظاهر أكل الخـ* بدها توقّف…”
إستشهد بشير ولم يحقق حلمه بدولة قوية حرّة ومتحرّرة، فسقطت قواته بيد من كان ممنوعاً عليه دخول المنطقة الشرقية، فاحتل المجلس الحربي على دماء وجثث أكثر من ٨٠٠ شاب مسيحي قتلهم في عملية أسماها “الأمر لي”.
فأصبحت المنطقة الشرقية تحت سيطرة ميليشيات سمير جعجع وتعيش كل ما رفضه وحذّر منه بشير في وصيّته الأخيرة المذكورة أعلاه.
أضف إلى سجل جعحع، الهروب من معركة زحلة وتركها بيد البطل جو اده ورفاقه الذين صمدوا وانتصروا بعكس توقعات جعحع.
تهجير الجبل وذبح مسيحييه في جلسة تقريق بين سمير جعجع ووليد جنبلاط، كما وتهجير مسيحيي شرق صيدا.
بقيت المنطقة “الشرقية” تحت رحمة تلك الميليشيا إلى أن وصل الجنرال ميشال عون وأعاد لنا حلم هذا اللبنان الحرّ، السيّد المستقل والخالي من الميليشيات.
ولأن تاريخ الجنرال هو بطولات من معركة تل الزعتر إلى ثقة بشير به ليحمي خطوط التماس في حال انكشف ظهر القوات اللبنانية، إلى سوق الغرب إلى إنقاذ إيلي حبيقة وإنقاذ الياس المر وأمين الجميل من القتل المحتم على يد ميليشيا جعجع… استقطب الجنرال كل الشارع المسيحي من رفاق وأنصار بشير، الأحرار، الكتائب والتنظيم، كما استطاع بخطابه الوطني أن يستقطب جزءًا لا يستهان به من اللبنانيين المسلمين والمناهضين للإحتلال السوري وجزءًا آخر من القوميين والكتلويين، وكثر من غير الحزبيين.
وحدهم قوات جعجع، إشتراكيو جنبلاط، حركة نبيه بري وبعض إسلام المحور السعودي كانوا ضد الجنرال، فتحالفوا مع جيش الإحتلال السوري لإقتلاعه بقرار أميركي- سعودي وبحماية جوية إسرائيلية في ١٣ تشرين ١٩٩٠.
ماذا حصل ولماذا خسر التيار من شعبيته بعد أن دخل إلى السلطة منذ التحرير والتسونامي عام ٢٠٠٥، فالدخول بالحكومة عام ٢٠١٠ إلى اليوم؟
للإجابة على هذا السؤال، نعود إلى المقولة التي بدأنا بها أعلاه ونتوسّع بالشرح من دون مطوّلات.
ففي دولة المافيا وكما في كل مافيا، هنالك خصومة وصراع بين عصاباتها، ولكن التحالف يجمعهم دائماً بمواجهة خطر المحاسبة والملاحقة القضائية.
وهذا تحديداً ما حصل مع التيار الوطني الحر.
فعندما دخل إلى السلطة بمشروع واضح وصريح يهدف إلى بناء دولة شراكة حقيقية، قضاء ملتزم، محاسبة دائمة، تدقيق جنائي، إنماء متوازن، خدمات بمستوى عالمي ودولة نفطية، شعرت مافيا أمراء الحرب بخطر يهدد وجودها، فتحالفت واتحدت لمواجهة هذا التيار.
ساعدتهم بذلك سفارات ومنظمات غير حكومية، كما ساهم الإعلام المأجور بالإغتيال المعنوي لقادة التيار، عبر نشر الأكاذيب والإشاعات بحماية محكمة المطبوعات التي وإن فاز التيار بادعائه على هذا الإعلام المأجور، تكون النتيجة متأخرة والأكذوبة والإشاعة قد علقت في ذهن الناس ولم تعد تنفع معها غرامة مالية رمزية ولا إعادة نشر الحكم.
فما هو المطلوب اليوم، وما الذي تغيّر أو سوف يتغيّر لكي نأمل باستعادة مبادرة إنقاذ الوطن من براثن هذه المليشيات؟
المطلوب هو حملة تثقيف سياسي يقوم بها التيار الوطني الحر ليعيد تصحيح التاريخ المزوّر الذي بنت عليه منظومة الميليشيات شعبيتها، خاصة وأننا في زمن السوشل ميديا والذكاء الإصطناعي. فالوصول إلى المعلومة أصبح أسهل والتحقق من صدقيتها كذلك.
أما ما الذي تغيّر؟
ركيزتان أساسيتان لهذه المنظومة قد تغيّرت وقد اهتزت وترنّحت في العامين الماضيين.
أولاً: السلاح الذي كنا نعتقد أنه لحماية لبنان، اتضح أنه لحماية منظومة المافيا من الملاحقات القانونية، وهو أداة “لبنانية” بيد جهة خارجية تحرّكه غبّ الطلب تبعاً لمصالحها هي وليس لمصلحة لبنان.
ثانياً: إنفخت بالون قوات جعجع التي ما إن أصبحت في السلطة، حتى ظهر الفساد في بواخر الفيول، العجز في تأمين الكهرباء والمياه إن لم تطبّق خطط التيار الوطني في الطاقة والسدود، والتقصير الدبلوماسي المعيب في الخارجية.
فهل ينجح التيار وتكون ١٣ تشرين ٢٠٢٥ بداية تحقيق وعد المؤسس الجنرال ميشال عون الذي قطعه إلى الشهداء؟
خوفنا هو أن تستسشعر المافيا هذا التغيير وتمدّد لنفسها.
فبانتظار من سيكون نقولا فتوش ٢٠٢٦ ويقدم إقتراح التمديد، نبقى نتأرجح بين الأمل واليأس علّ وعسى ينتصر الأمل هذه المرة.