
في كل عام و حين يصدح جرس الكنيسة معلنا بدء قداس شهداء المقاومة اللبنانية , ينهض الزمن من صمته و تقوم الوجوه التي رحلت لتقوم بالدعاء على من حوّل مقاومتهم و ذكراهم الوطنية الكبيرة الى مناسبة حزبية ضيقة تستعمل للنكد السياسي. ليست لحظة دعاء عليه فقط , بل هي وقفة صلبة أمام التاريخ , حيث يلتقي المقام الحقيقي ذو القضية بتاجر المواقف والأوهام.
هؤلاء الشهداء لم يكونوا مجرّد مقاتلين، بل كانوا مدافعين شرسين عن سيادة و حرية أرضهم و وجودهم. شباب تركوا منازلهم، وواجهوا المعتدي بثبات كي لا يسقط لبنان. بدمهم كتبوا المعادلة التي لا يجرؤ أحد على إنكارها: لبنان لا يُباع ولا يُسلَّم، وهو يستحق التضحية حتى آخر قطرة.
إن “القوات اللبنانية“، التي وُلدت من رحم المجتمع المسيحي فكانت الذراع العسكري للجبهة اللبنانية, أي الحاضنة الأوسع للمجتمع المسيحي، في أشد المراحل قسوة. حملت السلاح حين كان السلاح ضرورة وجودية، أما و بعد انتفاضات سمير جعجع و تسلمه قيادة القوات , اختار طريق السياسة و بيع النضال. و حوّل القوات اللبنانية-الذراع العسكري للجبهة اللبنانية، الى “حزب جعجع”، فخان المبدء و نكث بالوصية، و تنازل عن الحرية، و ساوم على الوجود.
اليوم، في هذا القداس الذي من المفترض أن يكون يتخطى كونه طقسًا دينيًا ليكون عرسًا للوفاء، نشعر بأن دماء الشهداء قد هدرت . الحلم الذي حلموا به تحلّل، لبنان الذي يقوم على دولة القانون، على السيادة الكاملة، على التعددية الحقيقية قد بيع الى من يدفع لسمير الثمن الأعلى، فهو قد قبل الاحتلال وطالب به ليتخلص مِن مًن كان شرعي, ليستزلم عند من أصبح ضروري شرعي و مؤقت , قبل أن تقوم هذه الوصاية بسجنه ليتخلص المحتل من جميع القادة المسيحيين بعد أن كان جعجع ساهم بإبعادهم نفيا أو قتلا أو …
إن الحلم الذي راودهم في زمن النار والدموع لم يكن حلمًا شخصيًا، بل رؤية لوطن يليق بأبنائه. وطن يُشبه حضارته العريقة ويعكس رسالة العيش المشترك. ونحن اليوم، بدل أن نقول لهم: “لن نترك حلمكم يموت” , ها نحن نقول لهم : “ان سمير تاجر و ما زال يتاجر بدماءكم و قضيتكم.”
القداس، ليس مجرد صلاة للراحة الأبدية، بل صلاة لاستمرارية الطريق. انما ما حصل هو أننا انتقلنا من جوسلين خويري وأمثالها الى جوصي حنا وأمثالها. هو زمن خينت فيه دماءكم، وتاجرنا بالكلمة والموقف والقرار، فلم نحقق لبنان الذي استشهدتم من أجله.
أيها الشهداء، أنتم لم ترحلوا. أنتم في كل وجدان، في كل ضمير حي، وفي كل نضالٍ يرسم ملامح الدولة التي حلمتم بها. إن حضوركم بيننا يجب أن يكون لنعزل سمير وأزلامه من القيادة بعد أن خان قضيتكم.
و بعكس ما كانت مقاومتنا وشهدائنا حيث لا يجرؤ الآخرون، اليوم لا نجرؤ ، و نبيع لبنان.
المجد والخلود لشهداء المقاومة اللبنانية الأبرار , واللعنة على جعاجعتها.
بقلم جوزيف أبو عبود.