فهذه العبارة، في رأي أكثر من مرجع روحي، ليست مجرّد حكمة أخلاقية، بل إطار فكري يصلح لأن يكون خارطة طريق لبلد يواجه واحدة من أكثر لحظاته التاريخية تعقيدًا. هو تباين بين دولة لا تزال عاجزة، وقوى أمر واقع، ومكوّنات اجتماعية وسياسية تشعر بأنّها في سباق مع الزمن لحماية هويتها ووجودها ودورها. فهذه العبارة – الحكمة ستُشكّل العنوان العريض لمقاربات الحبر الأعظم في لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين.
إنّ التوازن بين التعدّد والوحدة يقود تلقائيًا إلى السؤال التالي: هل يحتاج لبنان إلى عقد سياسي جديد أو إلى مؤتمر تأسيسي؟ قد لا يتبنّى البابا هذا الطرح حرفيًا، لكنه حتمًا سيدفع باتجاه تعزيز اللامركزية، وإصلاح النظام السياسي، وتحديث المؤسسات، وضمان الشراكة الفعلية، وتجديد الشرعية الشعبية عبر انتخابات تُعيد إنتاج السلطة، أي التوافق على صيغة تحمي التعدديّة من جهة، وتدعم وحدة الدولة من جهة أخرى.
من هنا فإن عبارة البابا هي بمثابة جرس إنذار. فلبنان، في رأي الفاتيكان، قد ينجو إذا توازن، وقد يسقط إذا اختلّ ميزانه.
بطبيعة الحال، فإن البابا سيغادر لبنان من دون أن يحلّ أزماته، لكنّ رسالته ستكون واضحة للبنانيين: احموا وحدتكم كي تحموا تعدّدكم، واحموا تعدّدكم كي لا تهربوا من وحدتكم إلى التفكّك.
زيارة البابا ليست مناسبة احتفالية، بل لحظة مفصلية يمكن أن تُعيد إلى لبنان صورته التي يعرفها العالم: بلد واحد، أبناؤه متعدّو الآراء، ولكن غير متفكّكين.


