Categories محليات

الانتخابات النيابية في لبنان: مفارقة “ننتخب 128 نائبًا” بينما نصوّت لشخص واحد فقط

في كل دورة انتخابية لبنانية، يتكرر الشعار الذي يقول إنّ الناخب “يُسهم في انتخاب 128 نائبًا”. لكنّ الواقع أكثر بساطة… وأكثر إحراجًا. المواطن اللبناني، عند دخوله قلم الاقتراع، لا ينتخب 128 اسمًا، ولا يختار لائحة كاملة، ولا يمنح ثقته لبرامج متعددة. هو في النهاية يقترع إسماً واحداً فقط: صوت تفضيلي لشخص واحد، ضمن دائرة واحدة، في نظام معقّد يتلطّى خلف لائحة مقفلة.

هنا تكمن المفارقة. المواطن يعتقد أنّ صوته يذهب إلى النائب الذي اختاره وحده، بينما الحقيقة أنّ صوته يستخدم لدعم لائحة كاملة، وإيصال مرشحين لم يسمع بهم وربما لا يوافق على أفكارهم. هذا الاستخدام غير المباشر للصوت الفردي جعل البعض يتعامل مع العملية وكأن الناخب “يختار مجلسًا كاملًا”، بينما هو فعليًا يمسك بورقة لا تمنحه سوى حق اختيار اسم واحد.

النظام النسبي في لبنان حوّل الناخب إلى رقم داخل ماكينة حسابية معقّدة. لائحة تتقاسم الحواصل، وتحالفات تُبنى على المصالح لا على البرامج، وصوت تفضيلي واحد يختزل كل شيء. لذلك يشعر المواطن أنّ إرادته ممزقة بين ما يريد فعليًا وما تفرضه هندسة القانون الانتخابي.

التشويش الأكبر يأتي من الخطاب السياسي نفسه. مرة نسمع: “صوّت… فأنت تشارك في صناعة المجلس”. ومرة أخرى: “اختر مرشحك المفضل”. لكن الحقيقة أن المواطن لا يملك رفاهية التأثير على 128 نائبًا. يملك فقط اختيار شخص واحد، ثم يتفرّج على النتائج تتولد من خلف الكواليس.

في نظام طبيعي، يفترض أن يصوّت الناس لبرامج واضحة، لا لأسماء مجتزأة من لوائح مفروضة. يفترض أن يملك المواطن القدرة على اختيار ممثليه الـ128 انطلاقًا من رؤى سياسية واقتصادية واجتماعية مكتملة. لكنّ لبنان لا يزال بعيدًا عن هذا النموذج.

التصويت لبرنامج كامل، واختيار 128 نائبًا على أساس خط سياسي واضح، ما يزال حتى اللحظة حلمًا… حلمًا يشبه دولة حديثة لم تولد بعد.