Categories محليات

استياء رئاسي… والحزب يوضح: لمفاوضات ضمن “الميكانيزم” فقط

شهد لبنان أمس نهاراً تصعيدياً كبيراً، سياسياً في الداخل وعسكرياً في الجنوب، وبدا أنّ البلاد تسير في اتجاه مزيد من التأزّم، في الوقت الذي لم ينقطع تقاطر الموفدين اليه، والذين سيكون منهم الموفد السعودي الأمير يزيد بن فرحان، الذي سيصل اليوم يرافقه وفد سعودي كبير يضمّ شخصية رفيعة المستوى، فيما يُنتظر وصول السفير الأميركي الجديد ميشال عيسى في العاشر من الجاري. فيما بدا الردّ الإسرائيلي على طرح لبنان التفاوضي تصعيداً كبيراً، بقصف تدميري لبلدات جنوبية جنوب الليطاني وشماله، جاء بعد ساعات على كتاب مفتوح وجّهه «حزب الله» إلى الرؤساء الثلاثة، وإلى الشعب اللبناني، رفض فيه أي مفاوضات سياسية مع إسرائيل، متمسكاً بحوار ضمن لجنة «الميكانيزم»، ومشدداً على وجوب الضغط على إسرائيل لتلتزم وقف اطلاق النار والقرار 1701. فيما أكّدت الخارجية الأميركية في بيان أمس، انّه «لا يمكن السماح لإيران و»حزب الله» بإبقاء لبنان أسيراً بعد الآن». وأضافت: «ملتزمون بدعم لبنان من خلال كشف وتعطيل تمويل إيران السرّي لحزب الله». ولفتت إلى «انّ العقوبات الجديدة تدعم سياسة الرئيس ترامب بممارسة أقصى ضغط على إيران ووكلائها الإرهابيين».

سجّلت أوساط رسمية عبر «الجمهورية» استياءً رئاسياً من كتاب «حزب الله» إلى الرؤساء الثلاثة، مشيرة إلى انّ رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون تحديداً، الذي كان ينتظر أن يتبلّغ مساء أمس الاول ردّ الحزب على موضوع التفاوض عبر بعض الأقنية الرسمية، فوجئ بأنّ الردّ جاء عبر جهاز العلاقات الإعلامية في الحزب.

وفي السياق، قالت مصادر «حزب الله» لـ«الجمهورية»: «لماذا لا يُقرأ الكتاب المفتوح من الناحية الإيجابية، فما ذكرناه فيه هو ردّ مباشر على المبادرات التي حملها الموفدون إلى لبنان ومنهم الموفد المصري مدير المخابرات العامة اللواء حسن رشاد، الذي طلب من لبنان تقديم التزامات بأن يمنع «حزب الله» من القيام بعمليات ضدّ إسرائيل. فما قلناه في الكتاب هو أننا ملتزمون باتفاق وقف إطلاق النار، وعندما نقول إنّ سلاحنا دفاعي وإلى جانب الجيش اللبناني ولا علاقة لنا بقرار الحرب والسلم، فهذا يعني أننا نؤكّد أنّ قرار الحرب والسلم هو في عهدة الدولة اللبنانية».

وأضافت المصادر: «رفضنا للمفاوضات السياسية يعني أننا نؤكّد على عمل لجنة «الميكانيزم»، وهو التفاوض غير السياسي. وفي النهاية هناك وفود حضرت إلى لبنان وفتحت نقاشاً سياسياً حول شكل التفاوض، ونحن نردّ على كل هذا النقاش ونوضح أنّ كل ما تطالبوننا به نحن ملتزمون به، ولكنكم تريدون صك إذلال وزيادة شروط تُفرض على لبنان، بينما المطلوب هو الضغط على إسرائيل لوقف الأعمال العدائية حتى نجلس إلى الطاولة. فكيف يُطلب منا التزام فيما الإسرائيلي يقصفنا يومياً وممنوع علينا الردّ، فهل هذا منطقي؟». ورفضت المصادر اعتبار كتاب «حزب الله» «إعلان حرب وإنما هو موقف يدعو إلى عدم الاستسلام وعدم الانصياع إلى الضغوط الإسرائيلية الهائلة والهادفة إلى انتزاع التزام من لبنان بأن لا يسمح لحزب الله بعدم التدخّل في أي جولة حرب جديدة بين إيران وإسرائيل». وكشفت المصادر أنّ الجانب المصري نقل طلب إسرائيل ضمانا لبنانياً بأنّه في حال نشوب أي حرب جديدة بينها وبين إيران، لن تشكّل صواريخ «حزب الله» تهديداً لإسرائيل. وقد سأل الجانب المصري، هل يمكن الحصول على هذا الضمان حتى نجنّب لبنان عدواناً إسرائيلياً جديداً، ما يعني أنّ الإسرائيلي يريد أن يطمئن مجاناً من دون أن ينسحب أو أن يوقف إطلاق النار، فكل ما عُرض على لبنان يحاكي العقل الإسرائيلي. وهذا الكتاب المفتوح أتى رفضاً لهذا التسويق». وكشفت مصادر «حزب الله»، أنّه «طُلب من لبنان أن يعلن في بيان رسمي تسليم السلاح في جنوب الليطاني في شكل كامل، والإعلام ببيان رسمي أيضاً عدم إطلاق أي رصاصة من شمال الليطاني في اتجاه إسرائيل، ثم تبدأ مفاوضات لوقف العدوان والانسحاب الإسرائيلي وتسليم الأسرى ونزع كل السلاح على كافة الأراضي اللبنانية، وهذا يعني أنّ علينا أن نقبل بمفاوضات تحت النار ‏توصل بالنتيجة إلى نزع السلاح، فيما إسرائيل رفضت طلب لبنان وقف اعتداءاتها على الأقل قبل الانسحاب للاتفاق على بقية البنود». وتوقعت المصادر أن تبقى إسرائيل على هذه الوتيرة من الغارات والتهديدات حتى نهاية الشهر، موعد زيارة البابا لاوون الرابع للبنان. أما بعد هذه الزيارة فإنّ الأوضاع ستكون مفتوحة على كل الاحتمالات».

عون والتفاوض

وأوضح رئيس الجمهورية خلال جلسة مجلس الوزراء أمس، طرحه لمسألة التفاوض، فقال: «انّ طرْحنا لخيار التفاوض لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لمناطق في الجنوب وإعادة الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية (…) يرتكز إلى قناعتنا بضرورة إعادة الهدوء والاستقرار إلى الجنوب، واستكمال انتشار الجيش حتى الحدود الجنوبية المعترف بها دولياً، إضافة إلى انّ خيار الحرب تحت أي مسمّى كان، لم يؤد إلى نتيجة، وقال انّ خيار التفاوض هو النتيجة المتاحة لوقف الاعتداءات واستهداف الأبرياء والممتلكات. وقد لقي هذا الخيار تأييداً وطنياً واسعاً ودعماً من المجتمع الدولي». واكّد «أنّ النهاية الطبيعية للحروب هي عبر التفاوض الذي يحصل مع الأعداء وليس مع الأصدقاء».

أفخاخ تفاوضية

وكان «حزب الله» قال في كتابه إلى الرؤساء الثلاثة والشعب اللبناني، انّ «التورط والانزلاق إلى أفخاخ تفاوضية مطروحة، فيه المزيد من المكتسبات لمصلحة ‏العدو الإسرائيلي الذي يأخذ دائماً ولا يلتزم بما عليه، بل لا يعطي شيئاً. ومع هذا العدو ‏المتوحش والمدعوم من الطاغوت الأميركي لا تستقيم معه مناورة أو تشاطر. إنّ لبنان معني ‏راهناً بوقف العدوان بموجب نص إعلان وقف النار والضغط على العدو الصهيوني للالتزام ‏بتنفيذه، وليس معنياً على الإطلاق بالخضوع للابتزاز العدواني والاستدارج نحو تفاوض ‏سياسي مع العدو الصهيوني على الإطلاق، فذلك ما لا مصلحة وطنية فيه وينطوي على ‏مخاطر وجودية تهدّد الكيان اللبناني وسيادته». وأشار الى انّ «موضوع حصرية السلاح لا يُبحث استجابة لطلب أجنبي أو ابتزاز إسرائيلي وإنما يناقش ‏في إطار وطني يتمّ التوافق فيه على استراتيجية شاملة للأمن والدفاع وحماية السيادة الوطنية. ‏وليكن معلوماً لكل اللبنانيين أنّ العدو الإسرائيلي لا يستهدف «حزب الله» وحده، وإنما يستهدف ‏لبنان بكل مكوناته، كما يستهدف انتزاع كل قدرة للبنان على رفض المطالب الإبتزازية للكيان ‏الصهيوني، وفرض الإذعان لسياساته ومصالحه في لبنان والمنطقة. وهو ما يتطلّب وقفة ‏وطنية موحّدة وعزيزة تفرض احترام بلدنا وشعبنا وتحمي سيادة لبنان وكرامته». واعلن انّ «بصفتنا مكون مؤسس للبنان الذي التزمناه وطناً نهائياً لجميع أبنائه، نؤكّد حقنا ‏المشروع في مقاومة الاحتلال والعدوان والوقوف إلى جانب جيشنا وشعبنا لحماية سيادة ‏بلدنا، ولا يندرج الدفاع المشروع تحت عنوان قرار السلم أو قرار الحرب، بل نمارس حقنا ‏في الدفاع ضدّ عدو يفرض الحرب على بلدنا ولا يوقف اعتداءاته بل يريد إخضاع دولتنا».

مجلس الوزراء ينقلب

ووسط المناخ المشحون نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية المكثفة والمدروسة لجهة توقيتها، كان البارز أمس حسم مجلس الوزراء لملف قانون الانتخاب، بإقرار الصيغة التي اعتمدت في انتخابات 2022، أي تصويت المغتربين لـ128 نائباً وليس لـ6 مقاعد خاصة بهم.

«الثنائي الشيعي»

وقال مصدر رفيع في «الثنائي الشيعي» لـ«الجمهورية»، انّ القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء في موضوع قانون الانتخاب هو انحياز واضح وانقلاب على الصيغة التوافقية التي عمل عليها رئيس الجمهورية على مدى أسبوع». واضاف: «القرار قانوني، ولكنه غير ميثاقي، والأهم انّه مرّة جديدة هناك من يصرّ على أخذ البلد إلى تحدّ وصدام سياسي». وكشف المصدر انّه «كان هناك اتفاق في حال أصرّ فريق «القوات اللبنانية» و«الكتائب» بمساندة رئيس الحكومة على التصويت الذي يحتاج إلى ثلثي مجلس الوزراء، لأنّه متعلق بقانون الانتخاب، يمتنع وزيران من فريق رئيس الجمهورية عن التصويت فيسقط مشروع القانون لكن هذا لم يحصل». واكّد المصدر «انّ مشروع القانون سيذهب إلى المجلس النيابي الذي يقرر مصيره، والأرجح ان يُحال على اللجنة النيابية المختصة بقانون الانتخاب، وكانت هناك فرصة أمام الحكومة ان تنهي هذه المعركة السياسية، لكنها أصرّت بما خرجت به على هذا التحدّي، وبالتالي هناك فريق سياسي وكتل نيابية وازنة ترفضه مقابل الفريق المطالب به، فستصبح كل الأسلحة مشروعة في هذه المعركة، بما في ذلك ما استخدمه الفريق الآخر من تعطيل النصاب او تعطيل الجلسات».

وتوقف المصدر عند ما قاله وزير الخارجية يوسف رجي لدى خروجه من جلسة مجلس الوزراء من «انّ وزراء «القوات» تنازلوا وقبلوا بأن يتم تعليق المادة (112) مرّة واحدة». وقال المصدر: «هذا ليس تنازلاً، هذه إدانة لهم بأن يقبلوا بتعليق المادة مرّة واحدة ما يعني أنّهم ثبتوا الأهداف السياسية وراء هذا الإصرار وليس كرمى لعيون المغتربين وحقوقهم كما يدّعون».

وعلمت «الجمهورية» انّ من أصرّ على التصويت كان الرئيس سلام الذي، وفق مصادر وزارية لـ«الجمهورية»، قال: «أنا مع الديموقراطية ولست مع التوافق، لأنّ التوافق مخالف للدستور عند وجود آراء متباينة». وأدلى سلام بمطالعة طويلة شرح فيها وجهة نظره، لافتاً إلى «انّ الحكومة إذا لم ترسل مشروع قانون ستُتهم بالتقصير خصوصاً انّ مجلس النواب عجز عن الحسم. وإلى ان يقرّر المجلس الحسم فإنّ مشروع القانون الذي ترسله الحكومة يؤكّد انّ الحكومة قامت بما عليها خصوصاً أننا نسمع اصواتاً تتردّد عن انّ الحكومة لا تريد الانتخابات لكي تمدّد وجودها في السلطة التنفيذية».

وصلت رسالتكم

وفيما كان مجلس الوزراء منعقداً، لجأت إسرائيل إلى تصعيد واسع في الجنوب، بعد انذارات إخلاء وجّهتها الى سكان عدد من البلدات الجنوبية، ما اوقع عدداً من الشهداء والجرحى وادّى الى تدمير مزيد من المساكن، كما إلى نزوح من جنوب الليطاني وشماله.

وعلّق رئيس الجمهورية على هذا التصعيد الإسرائيلي قائلا: «كلّما عبّر لبنان عن انفتاحه على نهج التفاوض السلمي لحل القضايا العالقة مع إسرائيل كلما أمعنت في عدوانها على السيادة اللبنانية وتباهت باستهانتها بقرار مجلس الأمن الرقم 1701، وتمادت في خرقها لالتزاماتها بمقتضى تفاهم وقف الأعمال العدائية. مرّ نحو عام منذ دخل وقف إطلاق النار حيّز النفاذ، وخلال تلك الفترة لم تدّخر إسرائيل جهدًا لإظهار رفضها لأي تسوية تفاوضية بين البلدين… وصلت رسالتكم».

صحيفة “الجمهورية”