الخبيرة في شؤون الطاقة المحامية كريستينا أبي حيدر، تُوضح لـ «نداء الوطن»، أن «ملف النفط والغاز في لبنان شهد خلال الأسابيع الماضية حراكًا ملحوظًا بعد فترة من الجمود». وتعدد أبرز التطوّرات التي حصلت، حيث فندتها بثلاث نقاط رئيسية:
«النقطة الأولى تتمثل بإقرار الحكومة خلال جلسة عقدتها في 23 تشرين الأول اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع قبرص. وتُعدّ هذه الخطوة بالغة الأهمية، إذ إن لبنان يحتاج إلى استكمال عملية ترسيم حدوده البحرية مع الدول المجاورة كافة، من أجل تحديد حقوقه وواجباته بدقة».
وهنا ترى أنّ «من الضروري اليوم أن يقوم مجلس النواب بدراسة مشروع قانون الاتفاقية المتعلقة بترسيم الحدود البحرية ومناقشتها وإقرارها، تجنبًا لتكرار ما حدث عام 2007، حين تمّ توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع قبرص، لكنها لم تُقرّ في المجلس، ما حال دون دخولها حيّز التنفيذ. ويُشار إلى أن أي اتفاقية لترسيم الحدود لا تصبح نهائية وملزمة إلا بعد موافقة المجلس النيابي عليها وفقًا للأصول الدستورية. كما تقع على عاتق الدولة اللبنانية مسؤوليات إضافية في ما يتعلّق بالنقطة البحرية المشتركة بين لبنان وقبرص وإسرائيل، ما يستدعي تنسيقًا دقيقًا مع قبرص يضمن حماية حقوق لبنان ومصالحه».
«ملف أساسي»
وفي الإطار نفسه، تلفت أبي حيدر إلى أن «مسألة ترسيم الحدود البحرية مع سوريا تبقى من الملفات الأساسية التي ينبغي متابعتها بجدّية، نظرًا إلى أهميتها في استكمال تحديد الحدود اللبنانية بصورة شاملة وواضحة»، موضحةً أن «ترسيم الحدود البحرية يشكّل ضمانة أساسية لالتزام الشركات العاملة في قطاع النفط والغاز بالبلوكات المحاذية لحدود الدول المعنية، إذ إن بقاء الحدود غير مرسّمة يُضعف ثقة الشركات ويجعلها تتردّد في الاستثمار أو في تنفيذ أعمال الاستكشاف ضمن مناطق قد تكون عرضة لخلافات مستقبلية».
خطوة في غاية الأهميّة
أما النقطة الثانية، بحسب أبي حيدر والتي برزت خلال الأسابيع الماضية، فتتمثل في «تسلّم الدولة اللبنانية تقرير شركة «توتال» المتعلّق بالبئر التي حفرتها في البلوك رقم 9. ويُعدّ هذا التقرير التقني خطوة في غاية الأهمية بالنسبة للبنان، إذ يوفر معطيات علمية دقيقة حول نتائج أعمال الحفر والاستكشاف».
وهنا تُشير إلى أن «شركة «توتال» تأخرت في تسليم التقرير، إذ كان من المفترض أن تقدّمه خلال مهلة لا تتجاوز ستة أشهر من تاريخ انتهاء أعمال الحفر، إلا أنها تأخّرت نحو سنة ونصف، أي ما يقارب سنتين منذ انتهاء عملياتها في البلوك رقم 9. وقد تزامن تسليم التقرير مع حصول الكونسورتيوم الذي تقوده الشركة نفسها على حقوق العمل في البلوك رقم 8، ما يثير تساؤلات مشروعة حول أسباب هذا التأخير، لا سيّما أنه ألحق ضررًا بالمصلحة اللبنانية وأخر عملية التقييم والتحضير للمراحل المقبلة».
وتلفت إلى أنه «من المهم أن تُعرض المعلومات التقنية المرتبطة بقطاع النفط والغاز بطريقة علمية وموضوعية، بعيدًا من الشعبوية والمبالغة، إذ إنّ ذلك يوفر رؤية واقعية حول ما قد تشهده المرحلة المقبلة، ولا سيّما في ما يتعلّق بالبلوك رقم 8».
دعوة إلى الحكومة
وأما النقطة الثالثة بحسب أبي حيدر، وهي من التطورات البارزة خلال الفترة الأخيرة، فتمثلت في منح الكونسورتيوم الذي تقوده شركتا «توتال» و»قطر إنرجي» حقوق العمل في البلوك رقم 8، بما يشمل تنفيذ المسوحات الزلزالية اللازمة، تمهيدًا للانتقال إلى مراحل الاستكشاف والتنقيب. وفي هذا السياق، يُطلب من الحكومة اللبنانية، من خلال هيئة إدارة قطاع البترول ووزارة الطاقة، ممارسة دورها الرقابي لضمان التزام الكونسورتيوم بجدول زمني واضح يتيح إنجاز المسوحات الزلزالية في أسرع وقت ممكن. على أن تليها عمليات استكشاف فعلية تشمل أكثر من بئر واحد، لما لذلك من أهمية استراتيجية واقتصادية للدولة اللبنانية في هذه المرحلة الحساسة.
وتُشدّد على أنه «من المهم أن تمارس الدولة اللبنانية ضغطًا جدّيًا على شركة «توتال» والائتلاف الشريك معها، بهدف ضمان تنفيذ كامل التزاماتها في البلوك رقم 8 قبل أي خطوة أخرى».
خريطة الطريق المقبلة
تضيف: «أما في ما يتعلّق بخريطة الطريق المُقبلة، فيُعدّ من الضروري الإسراع في تعيين هيئة إدارة قطاع البترول بشكل فعّال ومستقل، نظرًا إلى وجود شواغر داخل الهيئة تستوجب إمّا تعيين أعضاء جدد أو ملء هذه الشواغر في أقرب وقت ممكن، لضمان استمرارية العمل المؤسسي وتفعيل أداء القطاع».
كذلك، ترى أنه «ينبغي العمل على تحفيز إعادة دراسة قانون التنقيب في البر اللبناني، إذ إن عددًا من المشاريع المقدّمة لا يزال قيد البحث، ومن المهم أن يقوم مجلس النواب بمناقشتها وإقرار قانون شامل ينظم عمليات التنقيب البري».
وتختم أبي حيدر، مُشدّدة على أن «هذه الخطوات أساسية لتمكين لبنان من تحقيق التوازن في تطوير قطاع النفط والغاز بين البحر والبر، خصوصًا أن هذا القطاع يشكّل ركنًا محوريًا في دعم الاقتصاد الوطني، ولا سيّما في حال التوصّل إلى أي اكتشاف تجاري محتمل».
رماح هاشم – نداء الوطن

		
