في ظلّ تصاعد الحديث عن ضرورة تثبيت وقف إطلاق النار مع إسرائيل وبدء مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة لإنهاء حالة التوتر المستمرة في الجنوب، فقد اعاد المبعوثون الأميركيون، وفي مقدّمتهم توم برّاك وآموس هوكشتاين، تسليط الضوء على هشاشة الوضع اللبناني، بين دعواتٍ لتوحيد السلاح تحت سلطة الدولة وتسريع تنفيذ خطة الجيش لنزع سلاح “حزب الله” وبين تأكيدٍ على وجوب تحمل المجتمع الدولي مسؤولية دعم لبنان اقتصاديًا وإعادة إعمار ما دمّرته المواجهات.
وتتزامن هذه التطورات مع حراك دبلوماسي كثيف يقوده رئيس الجمهورية جوزاف عون، الذي شدّد على أن لا خيار أمام لبنان سوى التفاوض، معتبرًا أنّ لغة الحرب أثبتت فشلها وأنّ التفاهم السياسي هو الطريق الوحيد لتجنّب الانهيار الكامل.
وفي هذا السياق، كتبت” النهار”: بدا رئيس الجمهورية جوزف عون في تكرار إعلانه استعداد لبنان للتفاوض واعتماد خيار التفاوض الحصري كأنه يقارع تعاظم احتمالات تعرّض لبنان لحرب إسرائيلية جديدة لم تتوقف الصحافة الإسرائيلية عن التبشير باعتبارها شبه حتمية، فيما لا يني “حزب الله” وداعمته إيران في المقابل عن رفع شعارات التحدي والرفض لتسليم السلاح، بما يتقاطع ضمناً مع سياسة تقديم الذرائع لإسرائيل وتبرير المواقف الدولية الضاغطة بشدة تصاعدية على الحكم والحكومة في لبنان. وفي حين تواصلت أجواء التهويل والتخويف بالحرب من دون اتضاح أفق أي وساطة بعد، لا أميركية ولا مصرية، من شأنها بلورة الإطار التفاوضي المحتمل بين لبنان وإسرائيل بما يردع احتمالات الحرب ويبرّدها، عكست أوساط ديبلوماسية مواكبة للمشاورات اللبنانية الجارية بين المسؤولين معطيات جازمة حيال ضرورة استعجال الدول الوسيطة وضع صيغة تقاوضية يوافق عليها لبنان وإسرائيل، لتجنب الانزلاق مجدداً إلى خيار التصعيد الحربي. ولم تقطع هذه الأوساط سلباً بإمكان أن يتلقى لبنان هذا الأسبوع معطيات مصرية جديدة تتعلق بالموقف الإسرائيلي من التفاوض غير المباشر أو المباشر، علماً أن الإدارة الأميركية تنشط بدورها لبلورة إطار تفاوضي، ولو أن نبرة الموفد الأميركي توم برّاك القاسية حيال لبنان في حديثه الأخير لم تترك أي انطباعات مرنة حيال طبيعة الوساطة الأميركية. كما أن الساعات الأخيرة شهدت “عودة” محتدمة للمواقف الديبلوماسية الخارجية من لبنان، الأمر الذي فسر بأنه نتيجة استشعار خطورة التهديدات بتصعيد العمليات الإسرائيلية، فيما طوّر برّاك مواقفه مشدداً على أنّ الحوار هو السبيل الوحيد لتسوية الخلافات القائمة بين لبنان وإسرائيل. وفي لقاء مع صحافيين في تركيا، قال برّاك: “إنّ رئيس الولايات المتحدة يتصل ببوتين، ويتصل بالرئيس الصيني، أفلا يستطيع الرئيس عون أن يرفع السماعة ويتحدث إلى نتنياهو ويقول له: كفى، لنضع حدًّا لهذا العبث، ولنُنهِ هذه الفوضى؟”.
وأُدرج موقف رئيس الجمهورية جوزف عون أمس، بقوله إن “ليس أمام لبنان إلا خيار التفاوض” في إطار محاولات نزع الذرائع الإسرائيلية في شأن خيارات الدولة اللبنانية واستقطاب التأييد الدولي لموقف لبنان من التفاوض، بما يضغط على إسرائيل لتجنب تصعيد عملياتها في لبنان.
ووسط ترقب لما ستتكشف عنه الأيام المقبلة في شأن اقتراح الحل الذي يعمل على خطه مدير المخابرات المصري حسن رشاد وما قد يكون تبلّغه الرئيس سلام في مصر خلال لقاءاته المتنوعة على مدى يومين، برز تطور لافت حيال ترددات الكلام العاصف الذي صدر قبل أيام عن الموفد الأميركي توم برّاك، وتمثل في رد نادر للمبعوث الأميركي السابق إلى لبنان آموس هوكشتاين على مواقف خلفه توم برّاك.
وعلّق هوكشتاين، عند سؤاله عن رأيه في وصف برّاك للبنان بأنه “دولة فاشلة”، فقال: “إن لبنان يعاني بالفعل من مشاكل وتحديات اقتصادية ضخمة. وعوضاً عن التفكير في أخطائهم، علينا نحن، المجتمع الدولي، أن نقول إنه بعد حرب 2006، كان “حزب الله” وإيران من قاما بإعادة الإعمار، وإن كنا لا نريد لهما أن يفعلا ذلك، فعلينا نحن أن نتقدّم بأموال ومقاربة حقيقية لإعادة الإعمار. نولي أهمية كبيرة لإعادة الإعمار في غزة وننظم مؤتمرات، ويجب أن نفعل الأمر عينه للبنان”. وتابع: “يجب أن نبرهن للناس في جنوب لبنان أن المجتمع الدولي لا يظهر فقط عندما يكون هناك قصف، بل أيضاً لإعادة إعمار الطرقات والمزارع وإعادة الكهرباء. فعندما يكون هناك فراغ ما، غالباً لا يملؤه أناس خيّرون”.
وكتبت” الاخبار”: يفتح موقف رئيس الجمهورية الباب أمام النقاش التنفيذي حول كيفية حصول التفاوض بين لبنان وكيان الاحتلال، سيما أن عون أوحى بأن القرار قد اتُّخذ بالفعل، مستفيداً من زخم سياسي بعد طلبه من الجيش اللبناني «التصدّي للاعتداءات الإسرائيلية»، وبعد كلام المبعوث الأميركي توم برّاك حول واقع لبنان، ما دفع الأوساط السياسية إلى الربط بين الموقفيْن، خصوصاً أن كلام برّاك اعتُبر بمثابة إنذار للدولة اللبنانية وللعهد أكثر من كونه موجّهاً إلى حزب الله، كما فُهم وكأنه يشكّل غطاء لأي عمل عدواني محتمل، وصولاً إلى جولة حرب جديدة، مع التأكيد أن السبب هو فشل لبنان في نزع سلاح حزب الله الذي يُعتبر تهديداً لإسرائيل.
وفي هذا الإطار، أكّد أكثر من مصدر أن «عون تلقّى رسائل استياء من الأميركيين على خلفية طلبه من الجيش التصدّي للعدو، وقد أُبلغ من أكثر من جهة أن المطلوب منه هو الإيفاء بالتزاماته، أي الطلب من الجيش نزع سلاح الحزب، وليس خوض مواجهة مع إسرائيل». مع ذلك، طرحت دعوة عون إلى التفاوض السؤال نفسه: على ماذا سيفاوض لبنان، وكيف، وأي أوراق قوة يمتلكها؟خصوصاً أن إسرائيل لا تزال ترفض وقف الأعمال العدائية خلال مرحلة التفاوض.
وقد أثار الرئيس بري هذه النقطة خلال لقائه مدير المخابرات المصري اللواء حسن رشاد، مؤكّداً أمامه ما كان قد طلبه من برّاك، بضرورة وقف الاعتداءات لمدة شهرين على الأقل، وسأله عمّا إذا كانت هناك أي آلية لإقناع العدو بالامتثال لذلك، خصوصاً أن الإسرائيليين كرّروا عبر الوسطاء أنهم لن يقدّموا أي ضمانات، وأن على لبنان القبول بالتفاوض «تحت النار».
وكان الرئيس عون اعلن “أن ليس أمام لبنان إلا خيار التفاوض، ففي السياسة هناك ثلاث أدوات للعمل، وهي الديبلوماسية والاقتصادية والحربية. فعندما لا تؤدي بنا الحرب إلى أي نتيجة، ما العمل؟ فنهاية كل حرب في مختلف دول العالم كانت التفاوض، والتفاوض لا يكون مع صديق أو حليف، بل مع عدو. ولغة التفاوض أهم من لغة الحرب التي رأينا ماذا فعلت بنا، وكذلك اللغة الديبلوماسية التي نعتمدها جميعاً، من الرئيس نبيه بري إلى الرئيس نواف سلام”.

		
