في خطوة وُصفت بأنها تنازل جديد عن السيادة البحرية، أقرّ مجلس الوزراء برئاسة نواف سلام اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع قبرص، وهي الاتفاقية نفسها التي أثارت الجدل منذ العام 2007 بعدما تجاهلت “النقطة 23” التي اعتمدها الجيش اللبناني كحدّ رسمي للمنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان.
وبمصادقة الحكومة على الاتفاق بصيغته القديمة، يكون لبنان قد تراجع فعليًا عن مساحة تُقدّر بنحو 5000 كلم² من مياهه الغنية بالغاز، ما اعتبره خبراء في الجغرافيا البحرية “تنازلاً مجانيًا” لصالح قبرص، يُضعف موقع لبنان في أي مفاوضات مستقبلية مع إسرائيل أو في ملفي البلوك 9 و10.
الخطير في الأمر أن الحكومة، بدلًا من تثبيت الحقوق اللبنانية كاملة، تكرّس الخط القبرصي – الإسرائيلي الذي يتقاطع مع المصالح الغربية في شرق المتوسط، في وقت تطلب فيه من واشنطن وباريس التدخل لوقف الاعتداءات الإسرائيلية!
وفي خلفية هذه التطورات، يبرز سؤال أكبر حول معنى السيادة اليوم:
هل تبقى السيادة في الخطابات فقط، بينما تُستباح يوميًا باتفاقات تُضعف الموقف اللبناني وباعتداءات لا تجد من يردّ عليها؟
فبين الاعتداءات الإسرائيلية المتصاعدة والعجز الرسمي عن حماية الحقوق البحرية، تتراجع السيادة اللبنانية الحقيقية في بحرٍ من التسويات والضغوط، فيما التهديدات الإسرائيلية – العسكرية والإعلامية والنفسية – تزداد خطورة على أمن لبنان واستقراره.
فيما أدلى وزير الطاقة والمياه جو الصدّي بتصريحٍ من قصر بعبدا، حاول من خلاله طمأنة الرأي العام بأن “ائتلاف الشركات ملتزم بالعمل في البلوك رقم 8”، وبأن “لا أبعاد سياسية في المسألة”، بدا واضحًا أنّ الوزير يتجاهل جوهر القضية: أن الترسيم بحد ذاته هو الخطأ، لا تفاصيله.
فالحدود التي أُقرت في العام 2022 يجري اليوم تثبيتها في اتفاقٍ مع قبرص دون أي مراجعة أو اعتراض، ما يعني تثبيت الخسارة رسميًا. والوزير الصدّي قدّم صورة تقنية باردة لملفٍ سياسي بامتياز، متجاهلًا أن الاتفاقية تتعلّق بمساحة الترسيم والمنهجية المعتمدة في تحديد الخطوط البحرية، وهي التي تحرم لبنان جزءًا من حقوقه.
وبحسب مصادر متخصّصة، فإنّ اختيار النقاط القبرصية تمّ بشكلٍ مبالغٍ فيه، فيما غاب التنسيق مع سوريا، ما قد يؤدي إلى تداخلٍ في المساحات البحرية الشمالية وتعليق العمل في البلوكين 1 و2.
أي أنّ الحكومة لم تكتفِ بالتفريط جنوبًا، بل تُغامر اليوم بفتح نزاعٍ جديد شمالًا، لتتحوّل من حكومة إدارة أزمة إلى حكومة صناعة أزمات.
في المحصلة، لم يكن ما أقرّته الحكومة اليوم مجرّد اتفاقٍ تقني، بل خيارًا سياسيًا بالتنازل عن حق لبناني ثابت، تحت عنوان “تنظيم التعاون”
أي فتح الأبواب أمام تسوياتٍ تُنهي ما تبقّى من هيبة الدولة وحدودها
بالتنازل عنها طوعًا… وباسم الدولة
رندا شمعون


