
— بقلم رندا شمعون —
التيار الوطني الحرّ: ناضلنا من أجل ربط الانتشار بالوطن… والبعض يريد قطع هذا الشريان.
منذ اللحظة الأولى التي طرح فيها التيار الوطني الحرّ فكرة تخصيص ستّة مقاعد للمغتربين اللبنانيين في مجلس النواب، كان الهدف واضحًا: أن يحصل الانتشار اللبناني على تمثيل مباشر في المجلس النيابي وفي القرارات المصيرية التي تحدّد مستقبل الدولة.
هذا المشروع لم يكن شعارًا انتخابيًا أو منّة من أحد، بل ثمرة رؤية إصلاحية تسعى إلى إعادة وصل اللبناني المقيم بالمغترب، وتثبيت مبدأ العدالة في التمثيل السياسي. لذلك أُدرج في قانون الانتخابات لعام 2017، بمبادرة من التيار الوطني الحر، ليُصبح أول اعتراف تشريعي رسمي بحقّ الانتشار بالتمثيل النيابي.
لكن، وعلى الرغم من إقراره في النص، لم يُنفَّذ بعد، إذ عطّلت قوى السلطة القديمة المراسيم التنفيذية التي كان يفترض أن تُحدّد الدوائر وآلية الاقتراع، بحجة “الصعوبات التقنية واللوجستية”، في حين أنّ الحقيقة السياسية كانت أبعد من ذلك بكثير.
المقاعد الستّة ليست بدعة لبنانية، بل ممارسة معمول بها في دول ديمقراطية عديدة:
فرنسا خصّصت 11 نائبًا للفرنسيين المقيمين في الخارج.
إيطاليا خصّصت 12 نائبًا و6 أعضاء في مجلس الشيوخ للجاليات الإيطالية المنتشرة.
دول عربية مثل تونس والمغرب والجزائر ومصر اعتمدت أيضًا تمثيلًا للانتشار في البرلمان.
فإذا كان اللبنانيون في القارات الخمس جزءًا من اقتصاد البلد ومن حضوره الدولي، فلماذا يُحرمون من حقّهم الطبيعي في المشاركة في صنع القرار السياسي؟
بل كيف يُطلب من المغتربين مساعدة وطنهم ماليًا واستثماريًا، فيما يُمنعون من انتخاب 128 نائبًا أو من أن يكون لهم نوّابهم الستّة الذين يمثّلونهم فعلًا في التشريع؟
الجواب بسيط: من يخاف التغيير يخاف صوت الانتشار.
فالقوى التي تمسّكت بالسلطة منذ عقود، وفي طليعتها الرئيس نبيه بري وبعض حلفائه، تخشى من أن يُحدث تصويت المغتربين تبدّلًا في موازين القوى داخل البرلمان.
هؤلاء المغتربون لا يخضعون لسلطة الزعيم المحلي أو الخدمات الانتخابية، بل يصوّتون بحرية وفق قناعاتهم السياسية والوطنية.
إلى جانب ذلك، فإنّ إسقاط مشروع الميغاسنتر لم يكن تفصيلًا.
الميغاسنتر الذي نادى به التيار الوطني الحر يهدف إلى تسهيل اقتراع اللبنانيين من أماكن سكنهم داخل لبنان، بدل إرغامهم على العودة إلى قراهم البعيدة.
لكن القوى نفسها التي عطّلت المقاعد الستّة عطّلت الميغاسنتر، لأنّ هذين المشروعين معًا يُحرّران الناخب من القيود المناطقية والطائفية، ويحدّان من قدرة الأحزاب التقليدية على التحكّم بالنتائج.
اليوم، نسمع بعض الأصوات من أحزاب كـالقوات اللبنانية والكتائب ترفع شعار “إلغاء المقاعد الستّة واعتماد تصويت المغتربين للـ128 نائبًا” تحت عنوان “المساواة”.
لكن أي مساواة هذه حين يُحرم المغترب من أن يكون له نائب واحد يمثّل صوته في مجلس النواب؟
المساواة الحقيقية ليست في تذويب خصوصية الانتشار، بل في تثبيت حقّه في التمثيل المباشر والمستقل، كما فعلت كل الدول التي تحترم أبناءها المنتشرين في العالم.
الذين يطالبون بإلغاء المقاعد الستّة إنما يعملون عن قصد أو عن جهل على نسف مشروع إصلاحي وضع أساسه التيار الوطني الحرّ، وهو المشروع الوحيد الذي يربط اللبناني المقيم بالمغترب تحت مظلّة دولة واحدة.
التيار الوطني الحرّ يرى أن:
- المقاعد الستّة للمغتربين حقّ دستوري وإنساني قبل أن تكون بندًا انتخابيًا.
- الانتشار اللبناني يجب أن يكون جزءًا من القرار الوطني لا مجرّد صندوق تمويل للوطن.
- الميغاسنتر والمقاعد الستّة مشروعان متكاملان لتسهيل المشاركة وضمان الشفافية في الاقتراع.
- من يعارض هذين المشروعين إنما يخاف من الناخب الحرّ، لا من العوائق التقنية.
لقد ناضل التيار الوطني الحرّ ليعيد إلى المغتربين حقّهم في أن يكونوا شركاء في القرار، لا متفرّجين على من يصنعه.
وسيبقى هذا النضال مستمرًّا، لأنّ من آمن بلبنان المقيم والمنتشر، لا يقبل أن يُختزل الوطن بـ128 مقعدًا تتحكم بها المصالح القديمة، فيما يُحرم الملايين من اللبنانيين في العالم من التمثيل الذي يستحقونه.