Categories متفرقات

خطورة الإشاعة بقلم جو خوري

جميعنا يعلم بأننا نعيش منذ نصف قرن في حكم ميليشيوي وأمراء حرب كانوا بالزيّ “العسكري” وانتقلوا إلى البدلة وربطة العنق في حكم الطائف من ١٩٩٠ إلى يومنا هذا.

جميعنا يدرك إن بالمراقبة أم بالممارسة، أن هؤلاء “الأمراء” هم بالشكل أضداد ومحرّضين لأتباعهم على بعضهم البعض، لكنهم في الحقيقة والمضمون، هم حلفاء وشركاء يمارسون قسم omertà فيما بينهم. فلا يفضح أحدهم الآخر في حال انكشف فساده وسرقاته، ويتضامن مع بقية المافيا ضد كل من يكشف هذا الفساد وضد كل من يطالب بمعاقبة المرتكبين وبناء دولة عصرية قوامها القضاء والمحاسبة.

جميعنا اقتنع أننا لسنا بحاجة إلى تسمية أمراء الحرب فرداً فرداً كما أننا لسنا بحاجة إلى تسمية الفريق الذي يواجهه هؤلاء ويمنعوه من بناء دولة تواكب العصر.
أما أدوات هذه المواجهة، فقد تنوعّت بدءاً من حرب إلغاء الشرعية التي أدت إلى قتل، دمار واحتلال المناطق الحرة في العام ١٩٩٠، مروراً بتحالف رباعي ميليشيوي واضح وصريح في العام ٢٠٠٥ بمواجهة تسونامي فريق التحرير وتياره، وصولاً إلى ثورة مسعورين وتضليل إعلامي مرتشي عام ٢٠١٩.
الهدف كان ولا يزال، توقيف قطار استرداد الشراكة المسيحية في السلطة، منع إستخراج النفط والغاز، تعطيل بناء السدود ومعامل الكهرباء، وعرقلة المحاسبة عبر عدم التجاوب مع التدقيق الجنائي الذي أقِرّ بعد جهد جهيد وقد أفرغ من مضمونه بحجة السرية المصرفية من جهة، وتواطؤ حكام مصرف لبنان كشركاء أساسيين وجزءاً لا يتجزأ من منظومة أمراء ميليشيات الحرب، من جهة أخرى.

إذاً ومن حيث المبدأ ما عدا شواذ بعض المنتفعين والمغفّلين، لا يمكن لأي عاقل أن ينكر هذه الحقائق الموثّقة جيداً في محاضر جلسات حكومية ونيابية، وفي تصاريح بالصوت والصورة لأمراء الحرب أنفسهم.

من هنا يأتي السؤال: كيف للجيوش الإلكترونية التابعة للميليشيات والتي توجّه ناخبيها في زمننا هذا، أن تقلب هذه الحقائق لصالحها وتتّهم من يواجه المنظومة بما هي فيه من عمالة، تبعية، ذمية، فساد وسرقات؟

الجواب سهل وإسمه الإشاعة والپروپاغندا.
فمنذ سقوط الإعلام الحرّ والصحافة الحرّة بيد رجال الأعمال تحت شعارات العولمة والدمج، أصبحت الإشاعة هي الخبر وأصبحت الحقيقة نسبية يصل إليها القلائل ممن يملكون ترف أو حافز البحث عنها، وتنتهي على أنها “الرأي الآخر” أي أنها ليست دامغة.
نذكر مثالاً عن تعليب الرأي العام قد حدث مؤخراً في وزارة الطاقة اللبنانية، حيث أن الإشاعة والپروپاغندا رجّحتا سرديّة الميليشيات على الحقيقة الظاهرة بكل وضوح في الوثائق والمستندات.
آخر هذه الإشاعات كانت موضوع باخرة النفط الروسي التي بدأت بإخبار عن تزوير مستندات المنشأ، وخسارة ٧ مليون دولار من المال العام لصالح منتفعين من الوزارة إلى شركات النفط.
فأولاً راحت الجيوش الإلكترونية تنشر أكاذيب تضليلية بأن هدف الإخبار هو إيصال لبنان إلى العتمة.
ولما ظهرت الوثائق، قام الوزير بهجوم إستباقي تضليلي على وزراء الطاقة السابقين، يرافق الهجوم ترويج الجيش الإلكتروني لإشاعة أن العقد موقّع من هؤلاء الوزراء السابقين. عندها ظهر العقد وتبيّن أنه موقّع من وزير الطاقة الحالي جو صدي.
فانتقلت الجيوش الإلكترونية إلى إلهاء أتباعها بخبر أن الوزير نفسه (الذي وقّع العقد) هو الذي قدّم الإخبار إلى القضاء!
بطبيعة الحال، النتيجة معروفة سلفاً وهي أن أتباع هذه الميليشيات سوف يصدّقون الإشاعة ويروّجون لها، وسوف ينتخبون قادة ميليشياتها مجدداً.

بالمحصّلة، نعود الى العقل الراجح وقوة الفكر النقدي، لنطرح سؤالاً بديهياً ننهي به هذا المقال:

يتّهم وزراء، نواب، وإعلام المنظومة المرتشي كل وزراء الطاقة السابقين، تحديداً وزراء التيار الوطني الحرّ بأنهم سرقوا ٤٠ مليار دولار في الكهرباء ما عدا السدود “المثقوبة” كما يرددون ببغائياً، فلماذا حتى هذه الساعة لم يبرزوا مستنداً واحداً أو وثيقة واحدة تثبت اتهاماتهم هذه، طالما أنهم يملكون وزير العدل، وزير الطاقة، وزير المالية، المدعي العام المالي، المدعي العام التمييزي وحاكمية مصرف لبنان؟
فلو أتوا بهكذا وثيقة دامغة، (غير مزوّرة كما فعلوا مع ندى البستاني التي ربحت عليهم الدعوى القضائية)، سوف نكون من أول الناشرين والداعمين لهم.
فالفساد إن وجد، لا دين له ولا موقع حزبي يجب أن يغطّيه.
فنردد مع الجنرال ميشال عون ثابتته وثابتة التيار “أن مكافحة الفساد يجب ألا تستثني أحداً، حتى لو كان من التيار الوطني الحر أو المقربين منه”.

فمتى استعملنا الدماغ بدلاً عن الغريزة، سوف نرى ليس فقط الحقيقة، وإنما سنضع حداً لأمراء الحرب الذين تاجروا فينا، في دمائنا وجنى عمرنا، وها هم اليوم يستعرضون فساتينهم ومجوهراتهم على الـ red carpet في مدينة كان.